+967784013522
الحياة الجامعية صاخبة بالنشاط والحركة والكل منشغل بمناشطه .. إلا فتاة ظلت يكسوها الحزن .. احتواها ركن من أركان الكلية .. فأثار ذلك المنظر فضولاً سيكولوجياً!، فكان السؤال: ما بالك مظلمة الملامح .. قد أحاطتك ظلال العبوس؟! أجابتني بمداراة وجهها بعيداً عني .. هاربة من سؤالي! أعِيد السؤال مرة أخرى: ماذا هناك؟ اااااه .. عميقة طويلة .. حملت معان كثيرة .. أجابتني بها الفتاة، أعقبتها تنهيدة .. فصمت شفتين ونطق دموع .. خيم جو الصمت والوجوم .. يا ليتني ما سألتها .. يبدو أنني نكئت جراحا! بعد صمت يسير .. قالت: يا ليتني تفهمته ـ وهي تمسح ما انسل من مشاعرها رغما عنها بمنديلها ـ يا ليتني طاوعته ورحمت نفسي ورحمته .. خيراً! .. ما الخطب يا فتاة؟! أجابتني وعينيها تسترجع ماض قريب سَدِمٍ: كان لي زميل دراسة .. لاحظت أنه لا يتواجد في الجامعة إلا في أوقات المحاضرات فقط، وكان يبدو جاداً متحمساً لدراسته متفاعل مع الدكاترة والطلبة .. فاسترعى اهتمامي وانتباهي .. وحاولت أن أعرف سر ذلك .. ولكن خجلي منعني من سؤاله عن خصوصياته بشكل مباشر .. وفي يوم من الأيام لمحته بالقرب من الجامعة على ظهر دراجة نارية (مُتُور) .. وهو يحاول أن يخفي وجهه لكي لا يعرفه أحد .. فأثار ذلك فضولي .. ووجدتني متلهفة كباحث نفسي يؤرقه تحسسه بمشكلة بحثية ويقض مضجعه ليعرفها .. وبدافع حب الاستطلاع .. بدأت التعرف عليه ـ لزمالتنا ـ فجذب اهتمامي بشكل متزايد أكثر ... وتوالت الأيام فشعرت بإعحاب يتنامى نحوه .. وزاد ذلك عندما لاحظت أنه لا يضع دبلة على أصبعه فسألته بتذاكٍ وفضول: لما لا تضع دُبلة في إصبعك؟ فقال: وعلام أضعها .. ولست خاطبا أو متزوجا؟ فأسريتها فرحا في نفسي وانصرفت .. قبيل النوم هجمت تساؤلات أرقتني: أيكون ذاك الشاب الفقير .. قد دخل رأسك؟ هل تنوين مفاتحته في الأمر؟ أتتصورينه لنفسك زوجا سعيدا تهنئين معه بحياة جميلة؟ أترينه فارسَ أحلامك أتى على ظهر دراجة نارية بدلا من حصان أبيض؟ هل .. وهل .. وهل .. نمت وتلك التساؤلات تملؤ رأسي .. مرت الأيام .. ووجدتني اقترب من ذاك الشاب الخلوق .. الغاض لبصره .. العاف لسانه .. المشغول بدراسته وعمله .. كان غامضا .. قليل الابتسام .. كثير الصمت .. كل تركيزه على محاضراته .. ووجدتني مدفوعة ـ لاشعوريا ـ لأسأله بشيء من التردد عن بعض جوانب حياته .. فرفع بصره إلى سحابة تتسلل من بين أعالي ما تبقى من أشجار الجامعة قائلا : أسرتي في إحدى قرى تعز .. وأنا اسكن هنا مع زملاء لي في غرفة بالقرب من الجامعة، واشتغل وأدرس كما ترين ـ ولم يقل ماهي مهنته ـ وانصرف بعيداً عني .. وفي اليوم التالي بعد التحية: كيفكَ يا فلان؟ بخير .. وأنتِ؟ ... أجاب الفتى فقلتُ لهُ: أنا أيضا بخير! .. ثم أردفت: يا فلان كنا البارحة نتمشى بسيارتنا مع الأسرة في شارع (....) فلمحتك فوق دراجة نارية .. وقد استوقفك أحدهم وركب معك لتوصله إلى مكان معين. فاحمر وجه الفتى .. واستاذن بالانصراف .. وأنا أسمعه يجيبني عجلاً: لقمة العيش صعبة .. وعليّ أن أعمل لأصرف على نفسي .. وأكمل دراستي .. فاستأجرت هذه الدراجة من أحدهم لأعمل عليها .. شعرت أنني قد أحرجته .. ولكنه أجابني بصراحة .. فاحترمته أكثر، فقلت له بابتسامة إعجاب: أنت شاب مكافح. توالت الأيام ... وازداد إعجابي به .. ووجدتني أسأله ـ بعد ملاحظتي أنني أثرت اهتمامه أيضا: ما هي وجهة نظرك في زواج بعض شباب الجامعة بزميلاتهم؟ فأجابني: سيكون زواجا موفقا، لأنهم أكثر تقاربا، وتفاهما، وتقديرا لظروف بعضهم البعض .. توالت الايام .. ونحن نزداد قربا أكثرا فأكثر .. وشعرت بحب يغمرني ويشدني تجاهه .. كما كان يشعر هو أيضا .. وفي ذات يوم تفاتحنا بموضوع الزواج من بعض.. فقال: أنت شابة طيبة ومهذبة والارتباط بك شرف كبير ـ وصمت ـ ولكن .. كما ترين الظروف صعبة .. فقلت له: لا عليك سنفكر بهذه الأمور ونجد لها حلولا .. أخبرت مرجعي أمي بما حدث لي .. وما توصلنا له .. فنقلت هي الخبر إلى أبي أيضا الذي أجاب بصمت هادئ .. وفي يوم فاجأت الفتى وقلت له: متى ستاتي لتقابل أبي ؟ أجابني لهفا: في الوقت الذي ترينه مناسبا؟ وأتى الفتى فانهالت عليه شروط واشتراطات أهلي .. كما انهالت عليَّ التنبيهات من الأهل .. وأتت المستشارات! .. وفاعلات الخير! وبدأت النصائح والتوجيهات و .. و .. إلخ ووجدتني استجيب بغباء دون انتباه لمشوراتهن واشتراطاتهن: مهر خيالي ومؤخر وحق الأم وحق العمة والخالة والجدة وحفلات التعارف والخطوبة وحفلة العقد والحمٌَام والنقش والحناء والأخضر والفضة والدروع والغسل و .. و .. إلخ قائمة لا تنتهي