ذات مساء وبعد القاء محاضرة في التنويم الإيحائي (المغناطيسي) طلب الحضور من المحاضر تطبيقاً عملياً لما يقوله عن التنويم، فلبى لهم الطلب وقام بعمليتي تنويم الأولى لحالة تشكو من الصداع تمت إزالته، والثانية لحالة تشكو من السمنة وتريد أن تتخلص منها، لكن طلب الحالة الثالثة كان يشكل نوعاً من التحدي والاضطرار معاً فهو تحدياً لأنه حالة قرحة معدة لم تجد معه الأدوية (لوحدها) نفعاً، واضطراراً لأن الحالة تعاني ويجب إيقاف معاناتها بأسرع وقت وبأية طريقة. فما الحل؟ كان ذلك هو السؤال الذي واجه المعالج. وهنا قفز الجواب ليس أمامنا إلا التنويم العميق إن كانت لها القابلية للدخول بدرجة عميقة، وبعد ذلك البرمجة الذاتية لاسيما إذا استغلت درجتها التعليمية في ذلك كونها تحمل ماجستير في البايولوجي. فمن أين نبدأ؟ من التشخيص كان الجواب. ما هي الظروف الاجتماعية والنفسية والجسمية التي أوصلت الحالة إلى ماهي عليه الآن؟ وما هي العلاقة بين قرحة المعدة والإنفعالات والضغوط النفسية التي يمر بها المرء؟ ماهي قصة هذا الاضطراب؟ كيف بدأ؟ وكيف تتطور؟ وكيف تم تشخيصه وعلاجه وما هو دور الحالة في الشفاء منه؟. بدأت الجلسة التشخيصية: الاسم والبيانات الأساسية ……. العمر: 35 عام، الحالة الاجتماعية: مطلقة، متى بدأ الاضطراب؟ من سنوات منذ بدأت المشكلات والمشادات بيننا أنا وزوجي وكنت الاحظ أنها تزيد كلما انفعلت أو تعرضت لضغوط، وتطورت بعد الطلاق وأصبحت لا أطيق الآلام والتقيد بأكلات معينة. وقصدت العديد من الأطباء واستخدمت أدوية كثيرة لكنها تهدئ الآلام وبعد فترة تعود وقال لي الأطباء يجب أن تهدأي يجب أن لاتنفعلي لكني لا أستطيع لا أستطيع صدقني فأنا أبادر بالإنفعال لأقل الأسباب وبعدها أشعر بحريق يشب في داخلي لكنه يتركز في المعدة أكثر، وفي المساء لاأستطيع النوم. والآن أنا بحاجة ماسة لمساعدتك وسأنفذ أية تعليمات توصيني بها. هنا تأكدت في ذهن المعالج فكرة الجلسات العميقة والبرمجة الذاتية التي يمكن أن تقوم بها الحالة بعد التنأكد من كفائتها في ذلك. وبدأت الجلسة العلاجية بالتنويم الإيحائي. بدأت الحالة تستجيب بالتدريج ودخلت في درجة عميقة من التنويم وهنا قام المعالج بإعطاء الخطوات خطوة خطوة، وأعطاها برمجة ذاتية (وكلمة سر) من أجل أن تنفذ الجلسات القادمة بنفسها عندما لايكون المعالج موجوداً. وطلب منها أن تصف له شعورها فأفادت بأنها الآن مرتاحة ومطمئنة، وعندما أراد المعالج إيقاظها لم يكن غريباً أن تقاوم الإيقاظ لأنها كما وصفت نفسها في عالم مريح لاتريد مغادرته ولكون المعالج يعرف وسائل الإيقاظ فقد أيقظها بعد أن زودها بإيحاءات إيجابية. فاستيقظت وهي تشعر بأنها خرجت إلى عالم جديد (كما قالت لصديقتها الدكتورة التي كانت على مقربة منها). وبعد شهرين ونصف وفي نفس المكان فوجيء المعالج بسيدة بالقرب منه تقول له السلام عليكم أشكرك أشكرك وتدعو له وهو مندهش على ماذا تشكرني هذه الأخت؟ وبعد أن عرَّفته على ابنها الذي يفوقها طولاً قالت أنا فلانة التي عالجتها من القرحة والعصبية الزائدة، وهنا استرجع المعالج شريط الذاكرة آه تذكرت. كيف أنت الآن؟ قالت الحمد لله نفذت جميع التعليمات بدقة والآن تخلصت من الآلام وحتى صرت آكل فلافل مع اللفة (السندويتش) ولا أبالي وصرت أهنأ بنومي وبطلت العصبية والحمد لله. ولعل القارئ العزيز سيتسائل ما علاقة قرحة المعدة وهي مرض جسمي بالإنفعالات ومشكلات وضغوط الحياة؟ الجواب هو: إن قرحة المعدة من الاضطرابات السايكوسوماتية أي النفسجسمية وهي الاضطرابات التي يكون منشأها نفسي في الأصل وأثرها جسمي واستمرت لفترة من الزمان. وفي قرحة المعدة يؤثر الإنفعال على الجهاز العصبي الذي يعطي إيعازاً للعصارة المعدية أن تصب في غير أوقات الهضم فتصب هذه العصارة الحامضية في المعدة وهي خالية من الأطعمة فلا تجد إلا جدران المعدة تأكلها تدريجيا،ً وهكذا مع الاستمرار تبدأ التهابات ثم تتطور حتى تبدأ بالتقرح، وهنا لابد أن يكون العلاج لهذا النوع من الاضطرابات علاج مزدوج علاج دوائي من طبيب متخصص لعلاج الجانب الجسمي وعلاج نفسي يقوم به متخصص بالعلاج النفسي ليمنع الانفعالات ولا يمكن الاستغناء عن التعاون بين الطبيب و المختص بالعلاج النفسي في الاضطرابات النفسجسمية إذا أريد للحالة أن تتعالج بأفضل الأساليب وأسرعها. ولعل متسائل آخر يقول وما دور المستوى التعليمي في الشفاء؟ الجواب هو أنها فهمت التعليمات بدقة وقامت بتنفيذها بحرص ولم تتقلب بين أساليب العلاج كما يفعل العديد من المرضى الذين بعانون من المرض سنوات ثم يريدون حلاً (سحرياً) في ساعات ومن أول جلسة الأمر الذي يجعلهم عرضة للإبتزاز من المستغلين والمدعين بالعلاجات السحرية المزعومة.

أن الحالة واقعية ولكن تم التصرف ببعض الألفاظ حفاظاً على السرية، وأنه يمكننا استقبال استفساراتكم وأسئلتكم والإجابة عليها وبما يكفل المحافظة على السرية التامة.